يشهد قطاع العملات المشفرة عاما من أكثر أعوامه اضطرابا منذ ظهور عملة البيتكوين قبل أكثر من عقد، إذ تداخلت عمليات بيع حادة مع مخاوف كلية وتوترات سياسية، لتدفع السوق إلى خسائر تجاوزت تريليون دولار خلال شهرين، وتعيد مشاهد “شتاء الكريبتو” الذي أعقب انهيار منصة إف تي إكس (FTX) عام 2022.

ورغم المظاهر الاحتفالية التي ظهرت خلال حفل عيد ميلاد أقامه رائد التشفير أنتوني بومبلانو في نيويورك الأسبوع الماضي، فإن الأسواق كانت تعيش واقعًا مختلفًا، حيث فقدت بيتكوين ربع قيمتها من ذروتها البالغة نحو 126 ألف دولار في أكتوبر إلى ما يقارب 84 ألف دولار في بداية الأسبوع، قبل أن ترتفع قليلًا إلى حدود 89 ألفًا، في مسار يثير قلق المستثمرين رغم الدعم التنظيمي والسياسي الواضح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحسب شبكة CNBC عربية.

بنك أوف أمريكا يتيح لعملاء إدارة الثروات الاستثمار في العملات المشفرة ابتداءً من يناير

البيتكوين تهبط دون 86 ألف دولار مع تراجع حاد في سوق العملات المشفرة

تراجع واسع رغم الدعم من البيت الأبيض

على مدار العام، اتخذت إدارة ترامب سلسلة من القرارات اعتُبرت تاريخية لصالح صناعة التشفير وهي تعيين قيادات داعمة في الهيئات الرقابية، إصدار عفو عن شخصيات أدينت في قضايا جنائية مرتبطة بالكريبتو، وإطلاق خطة لتدشين احتياطي وطني للبيتكوين.

 كما جمعت عائلة ترامب أرباحا تزيد على مليار دولار قبل الضرائب من استثماراتها في سوق العملات المشفرة، وفق فايننشال تايمز.

ورغم ذلك، تراجع سعر بيتكوين بنحو 4% منذ بداية العام، في وقت ارتفعت فيه الأسهم الأمريكية بدعم من طفرة الذكاء الاصطناعي.

هروب السيولة المؤسسية لأول مرة بهذا الحجم

لم يقتصر الانخفاض على المستثمرين الأفراد كما في دورات الهبوط السابقة؛ بل شاركت مؤسسات كبرى في موجة البيع الحالية. فقد كشفت بيانات مورنينجستار عن عمليات سحب بلغت 3.5 مليار دولار من صناديق الاستثمار المتداولة المتخصصة في الأصول الرقمية خلال نوفمبر، وهو رقم قياسي يعكس تراجع ثقة المستثمرين.

وتظهر الإيداعات الأمريكية أن صندوق iShares Bitcoin Trust التابع لبلاك روك، الذي يمتلك نحو 780 ألف بيتكوين، أصبح أكبر حيازة معلنة لجامعة هارفارد في الولايات المتحدة بقيمة تقارب 442 مليون دولار، قبل أن تتأثر قيمته بشدة مع الهبوط الأخير.

وتقول المحللتان ماريون لابوري وكاميلا سيازون من دويتشه بنك إن “تراجع هذا العام يختلف جذريًا عن الانهيارات السابقة، لأنه يحدث وسط مشاركة مؤسسية غير مسبوقة”.

10 أكتوبر.. يوم هز سوق العملات الرقمية

بدأت شرارة الهبوط الأكبر في 10 أكتوبر، عندما أعلن ترامب عبر منصته “تروث سوشيال” اعتزامه فرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 100% على الصين. الهلع الذي أعقب المنشور هبط بأسواق الأسهم والعملات المشفرة في دقائق.

خلال ساعات، فقدت نحو 10 آلاف عملة رقمية ترصدها شركة كوين ديسك ما يقرب من 47% من قيمتها في المتوسط، وتسببت عمليات التصفية في خسائر تجاوزت 19 مليار دولار في مراكز ذات رافعة مالية، ويشير بعض المستثمرين بأسى إلى هذا اليوم باسم “10/10″، باعتباره أسوأ يوم بيع فردي في تاريخ الكريبتو.

وتبيّن التحقيقات أن الاعتماد الواسع على العقود الآجلة الدائمة (Perpetual Futures) التي تسمح برافعة مالية قد تصل إلى 100 مرة، كان عاملًا رئيسيًا في تضخيم الانهيار.

ومع تراجع صانعي السوق عن توفير السيولة، فقدت معظم العملات الرقمية تسعيرها الحقيقي، كما يوضح آدم مورغان مكارثي من شركة Kaiko: “لم يكن أحد يعرف القيمة الحقيقية لأي أصل رقمي، لأن الفروق بين المنصات كانت هائلة”.

الاقتصاد الكلي يزيد الضغط

زاد الغموض المحيط بسياسة الفائدة الأميركية من حدّة التراجع. فارتفاع أسعار الفائدة يحدّ من جاذبية الأصول عالية المخاطر، ومنها العملات المشفرة، التي استفادت بقوة من سياسة التيسير النقدي عام 2020 قبل أن تتراجع بعد رفع الفائدة في 2022 و2023.

وتوضح لورا كاثرين مان من شركة White & Case أن “المستثمرين يتحولون عن العملات المشفرة سريعًا عند أول إشارة تردد، لأنها تُصنف كأكثر فئات الأصول مخاطرة”.

ارتباط مُقلق مع أسهم التكنولوجيا

تكشف البيانات أن تحركات البيتكوين بدأت تتزامن بشكل لافت مع مؤشر ستاندرد آند بورز 500، بل إن مؤشر ناسداك 100 (ذو التركيز العالي على شركات التكنولوجيا العملاقة) اتبع مسار البيتكوين خلال جلسات عدة في نوفمبر.

ويرى مايك أورورك من “جونز تريدينج” أن هذا الارتباط “مقلق للغاية”، مشيرًا إلى أن أصلًا مضاربيًا بقيمة 1.8 تريليون دولار قادر على التأثير في مؤشر تبلغ قيمته السوقية 32 تريليون دولار.

تفاؤل بالمستقبل رغم التقلبات

على الرغم من الهبوط الحاد، يظل المستثمرون الكبار متفائلين، فقد أشار لاري فينك، رئيس بلاك روك، إلى اهتمام صناديق الثروة السيادية بالشراء عند مستويات الأسعار الحالية. كما يرى محللون في Galaxy Digital أن “تصحيح البيتكوين يبدو أشبه بعودة إلى الاتجاه الصعودي أكثر من كونه انهيارًا”.

ويترقب القطاع قانونين مهمين لتنظيم العملات المستقرة وتحديد ما إذا كانت الأصول الرقمية تُعامل كأوراق مالية — تشريعات يتوقع الخبراء أن تمنح السوق دفعة قوية حال إقرارها.

ما مدى قدرة Tether على التحمل ؟

في خضم التقلبات، لجأ المتداولون إلى شراء عملة USDT المستقرة بقيمة 184 مليار دولار، باعتبارها ملاذًا آمنًا نسبيًا. غير أن خفض وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال لتصنيف الضمانات التي تحتفظ بها عملة تيثر (Tether) أعاد إثارة المخاوف بشأن قدرتها على الحفاظ على الارتباط بالدولار وحماية السوق في فترات الضغط.

facebook

twitter

whats

• الكريبتو
• منصة إف تي إكس
• بيتكوين
• ترامب
• صناعة التشفير