وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في أول جولة له في الشرق الأوسط .. تخطي الأردن لن يكون فكرة جيدة
مع انطلاق وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو في جولته الأولى في الشرق الأوسط، والتي تشمل زيارات إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فمن الضروري أن تتحرك أميركا والمنطقة بسرعة وحكمة للاستفادة من التوافق بين النجوم في الأشهر القليلة الماضية.
وأنا أشير هنا على وجه التحديد إلى انهيار نظام الأسد في الجمهورية العربية السورية والحكومة الجديدة الخالية من حزب الله والرئيس في لبنان، فضلاً عن الإصلاحات الجارية في الخليج، وخاصة في المملكة العربية السعودية.
ورغم أنه من السهل للغاية أن نكون متشائمين، فإن هذه الفرص تشكل، عندما نربط النقاط، فرصة فريدة لأميركا والشرق الأوسط لرسم مسار جديد للسلام والازدهار في المنطقة.
ومع ذلك، فإن التعليقات مثل تلك التي صدرت مؤخراً بشأن تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” لا تساعد، سواء كانت مقصودة بصدق كجزء من خطة جادة أو جزء من تكتيك تفاوضي أو كانت مجرد أفكار.
وعلى نحو مماثل، فإن الخطأ الفادح الواضح الذي ارتكبته الإدارة الأميركية الجديدة مؤخرا، وخاصة في تعاملاتها مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، يهدد بتقويض ليس فقط الاستقرار الأوسع في المنطقة، بل وأيضا مصالح الولايات المتحدة. فقد قوبل اقتراح الإدارة بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة إلى الأردن ومصر بمعارضة شديدة من المملكة والعالم العربي ككل. وقد قادت المملكة العربية السعودية الموقف الإقليمي، وهي تقود أيضا تحالفا عالميا لتنفيذ حل الدولتين والمشاورات من أجل التوصل إلى استجابة وعرض مضاد محتمل للإدارة الأميركية. كما قالت مصر إنها تعد خطة لإعادة إعمار غزة، دون عنصر النزوح القسري ــ وبطبيعة الحال، سيكون من الحكمة أن تجري الولايات المتحدة مثل هذه المناقشات. وعلى الرغم من محاولات البيت الأبيض تهدئة الموقف، وظهور دونالد ترمب نفسه وكأنه يؤيد الملك عبد الله في خطاب مباشر إلى الشعب الأردني، فلا شك أن الإدارة الأميركية الحالية تلقت الآن قدرا كبيرا من التدقيق فيما يتصل بما إذا كان مستشارو الرئيس يفهمون أم لا القاعدة الذهبية المتمثلة في “إذا لم يكن الأمر مكسورا فلا تصلحه”.
وعلاوة على ذلك، كانت هناك تلميحات غير مباشرة إلى أن الرئيس ترامب قد فكر في حجب المساعدات عن الأردن إذا رفض استيعاب النازحين من غزة. وهذا النهج لا يقوض الشراكة الطويلة الأمد بين البلدين فحسب، بل يتجاهل أيضا التضحيات الهائلة التي قدمها الأردن في السعي إلى السلام الإقليمي. وإذا كان هناك أي شيء، فإن الأردن يستحق المزيد من المساعدات – وليس أقل – بسبب كل ما تحمله والأعباء التي تحملها مرارا وتكرارا، كلما اندلع صراع إقليمي.
إن مثل هذه التكتيكات غير الحكيمة تخاطر بتنفير حليف رئيسي وقد يكون لها عواقب بعيدة المدى. من مخاطر الامتداد إلى موجة جديدة من التطرف، فإن عبور الأردن لن يكون فكرة جيدة أبدا.
مع انطلاق روبيو في جولته الأولى في الشرق الأوسط، من الضروري التصرف بسرعة وحكمة للاستفادة من محاذاة النجوم الأخيرة.
في ضوء هذه التطورات، من الضروري أن تعيد الإدارة الأمريكية تقييم موقفها تجاه الأردن وتتشاور مع حلفائها الموثوق بهم في الشرق الأوسط – وخاصة المملكة العربية السعودية. إذا كان من الممكن إيجاد حل للحرب بين روسيا وأوكرانيا في الرياض، فمن الواضح أن الحل للصراع في غزة، التي تقع أقرب إلى الوطن، يمكن إيجاده هناك أيضًا.
لقد سلطت أصوات داخل المشهد السياسي الأمريكي الضوء بالفعل على أهمية هذا التحالف. ومن بين هؤلاء النائب مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الجديد، الذي أكد على الدور الحاسم الذي تلعبه الأردن في الأمن الإقليمي. كما رفض أعضاء الكونجرس وممثلون آخرون، بما في ذلك من حزب الرئيس نفسه، فكرة إعادة توطين سكان غزة.
وفي الوقت نفسه، لا يسع المرء إلا أن يرفع قبعته تقديراً للحكمة والسياسة التي استخدمها الملك عبد الله خلال اجتماعه في البيت الأبيض مع ترامب الأسبوع الماضي. هناك، وعلى الرغم من خطورة الأسئلة التي أثارتها الصحافة والأفكار التي اقترحتها الإدارة الأمريكية الجديدة، فقد أبقى عواطفه تحت السيطرة. لقد أظهر القيم الأردنية الحقيقية المتمثلة في الوقوف إلى جانب المحتاجين من خلال الإعلان عن مبادرة لاستقبال 2000 طفل مريض بشدة من غزة، مع الإصرار على عدم قول أي شيء من شأنه أن يعرض الاستقرار الوطني أو الإقليمي للخطر والبقاء دبلوماسيًا ومحترمًا لرئيس الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي للأردن والمنطقة ككل.
في حال لم يدرك مستشارو السياسة الخارجية الأمريكية، فإن الأردن بمثابة محور في شؤون الشرق الأوسط. تلامس حدودها العديد من المناطق المعرضة للصراع، ومع ذلك تمكنت المملكة من الحفاظ على مظهر من مظاهر السلام والنظام داخل أراضيها. وهذا ليس إنجازًا بسيطًا، بالنظر إلى المشهد المضطرب الذي يحيط بها.
بعيدًا عن دورها في السياسة الإقليمية، كانت الأردن شريكًا لا غنى عنه في الحرب العالمية ضد الإرهاب. لقد جعل موقع المملكة الاستراتيجي وقدراتها الاستخباراتية منها حليفًا في الخطوط الأمامية في مكافحة الجماعات المتطرفة.
لقد سلطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء على “الدور القيادي الذي تلعبه الأردن في تعزيز السلام والاعتدال في المنطقة”. إن هذا التعاون ليس مجرد مسألة ملاءمة بل هو شهادة على التزام الأردن الثابت بمكافحة الإرهاب.
كما تتمتع المملكة بتقليد طويل الأمد في توفير الملاذ لأولئك الفارين من الصراع. فخلال الحرب الأهلية السورية، فتحت الأردن حدودها لملايين اللاجئين، ووفرت لهم الأمان والمأوى. وعلى نحو مماثل، في أعقاب حرب العراق، رحبت المملكة بعدد كبير من اللاجئين العراقيين، مما يدل على التزامها بالمبادئ الإنسانية.
وفي منطقة غالبا ما تشوهها الصراعات الطائفية، تبرز الأردن كمنارة للتسامح الديني. وكانت المملكة رائدة في تعزيز الحوار بين الأديان وتعزيز التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين. وتؤكد مبادرات مثل رسالة عمان وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، التي اقترحها الملك عبد الله واعتمدتها الأمم المتحدة، على التزام الأردن بجسر الانقسامات الدينية.
إن هذا التأكيد على الوئام بين الأديان ليس مجرد رمز. إن هذه الخطوة تعكس استراتيجية الأردن الأوسع لمكافحة التطرف وتعزيز ثقافة السلام. ومن خلال تشجيع الاحترام المتبادل والتفاهم بين المجتمعات الدينية المختلفة، تهدف المملكة إلى بناء مجتمع أكثر تماسكًا ومرونة.
وعلى الرغم من هذه المساهمات القيمة في الاستقرار الإقليمي والتحالف الراسخ بين عمان والولايات المتحدة، فإن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب أثارت المخاوف. بطبيعة الحال، يجب ألا نولي الكثير من الاهتمام للكلمات ونركز أكثر على أفعال الولايات المتحدة. هذا درس تعلمناه نحن العرب بالطريقة الصعبة من التعامل مع عدد من رؤساء الولايات المتحدة، وخاصة باراك أوباما.
ووجهة نظري هي أنه يتعين علينا خفض الخطاب من نقطة الغليان التي وصل إليها بالفعل ثم الانخراط في مناقشة أكثر عقلانية. في نهاية المطاف، يجب أن تتوافق المصالح والولايات المتحدة لديها الكثير لتكسبه من العمل بشكل وثيق مع الرياض وعمان والقاهرة.